قصص صغيرة بقلم د .
مرتضى الشاوي
من دفاتر مجهولة ....1
يكاد أن يصل فيراه بئراً حفر للتو ،
عجيب ذلك العمق في أي مغارة أنت جالس فيه ، فربما غرق الصيادون في زقاق الذكريات ،
أمتعة كثيرة وفوهات أجربة تنتظر قدوم الغائب ، ودموع الثكلى تخرق جدار الصمت ،
آنية مدهمة في قاعة الطريق ، وأي طريق مجهول أنت ؟!!!
غريب في الطرقات يسأل المارة عن خفوت
الأضواء ، ظلام دامس في ليل بهيم ، وطفل عار يبحث عن كسرة خبز .
هل بان النجم اللامع ؟ أم هل لاح الضوء
المزهر؟
أودية الموت تطارد ذلك الهزيل ، ذلك
العائم في مخيلتنا ، في تصورنا ، في زاوية البيت المظلم ، سنون عجاف تتلوها سنون
أخرى وغربان الصبح تمزق أشباح الماضي . الكتابة عن الماضي مطوي في دفاتر الصبية
المتعلقين بأستار أم رؤوم ، قد فقدت أبنها في الدفاع عن بيضة الدين .
تبكي وتتباكى ، تسهر ليلاً في أنين دائم
، لكن سطوة الليل غارقة داكنة ، هذا الصبغ الموجود بالقرب ألواح معتمة لا تغني
اليتيم .
نبضه يتصاعد يوم بعد يوم على الرغم من
أن الأيام متشابهة في رونقها ، جميل تلك الورود البنفسجية علما أن القطف غير جائز
في زحمة الطريق .
أغرقتني السموات بلطفها ، تعالوا نلملم
جراح الماضين بلا تصفيق ، ابتعادا عن وهن الأصنام .
من دفاتر مجهولة ...2.
الغرباء قادمون على صفيحة زرقاء ، فمن
أراد الحفرة فليعهد بنفسه قولاً لا يعود لغيره . والبائسون في هذه الأرض شرذمة
فتكت بالشمس فتقطعت بهم السبل .
جراح تنزف وعيوى حرى وقلوب والهة تنتظر
قدوماً يزحف برسل الماء ، عطراً ، همساً ، لكن الموت الطريد يغبش في فوهات الطريف
، تلال غارقة في جو ممطر ، وصبايا معسولة ترحل الى الآخرة .
من دفاتر مجهولة ....3
كان ينظر من ثقب الباب علّ بارقة أمل
تقرّ عينه في ثوب معصفر في طيلسان ، يسمع نشيجاً ، غمرته الدهشة ، أصابعه تهفو الى
فتح الباب ، تتلوى ...يتذكر أنها شلّاء .
لن تكفي ، يحدق مرة أخرى فيشير بأصابع
مرتعشة الى رشقات من الضياء تتجاذب جذلى برائحة المطر .
شوارعنا وساحات الزينة ملئت بصور
تذكارية ، تخترق الشمس ، تدمي قلباً تاه في منحدر يلغ الريح بلسانه الحاد ... من
يجمع منا أكثر الصور يربح قلب الصبر جمرات تتناثر بل آهات من فرط حدتها تخمش
الوجوه ...
من دفاتر مجهولة .....4
أعمدة تتباهى ، وأخرى تخجل من نفسها كون
الذي عليها يخدع نفسه بألوان زاهية ، وأخرى تحمل قساوسة متخفّين بلباس المراجيح
ولا عبي السيرك ، وأخرى تحمل التراب والحارة والجوع والعطش ، فقد بدأ كل شيء على
ما يرام .
من يدري ؟ فغداً تنتكس كل الأعمدة خجلة
لسوء أعمال المظاهرات الفوتوغرافية ، ، فما زاد في الطين بلّة ، أنه بلل ينفذ من
تحته .
من يدري ؟ فربما يرجع الوطواط إلى أعالي
الجبال ، فالأراضي القفر تتوحش لانطفاء الضوء في نفق آخر بل يهبط متوحشاً ذلك
الخشاش يغمغم من بين أسنانه دون أن يظن أنّ القادم كابوس يرتسم شبحاً ملثماً .
غرباء سكان هذه الأرض قتّالهم من جنس
خلقتهم ، والأغرب من ذلك يتعبدون تملقاً للنساء .
عودة الصنم لا تخضع لمقياس واحد بل واحد
يصنع بمقاييس أمة لا ناقة فيها ولا جمل .
من دفاتر مجهولة ....5
يراوغنا النعاس ، والملل ، هل يرتدّ
الانفجار دون ضوضاء ؟ ، وفترات صمت طويلة تعدّ طبيعية لا تقبل الشك ، من يدري كم
تدوم تلك الأشياء ؟ فخيط العدم الأسود يجرنا نحو اللهب البارد للقمر ، أنا أفتشّ
عن عويناتي ، وآخر يفتشّ عن وجه شبح في قبضة ريح ..
لم يبق غير رؤى جامدة ، صياح ، وعويل ،
وبكاء ، وسمكة جفت على مقلتيها الدموع ترفرف على سواحل هائجة .
وغرابيب سود محنطة تعيش على فتات
الموائد التي لا تحصى ، يمتدّ الدرب ما أعتقه ! وأنا غاطس تحت الماء .. جنون
ونسيان حزين يجذبه الطين الندي لينفجر في صرخة سعيدة .
وليتحول الى عذوبة اصبع بنفسجي !!!!
من دفاتر مجهولة .....6
عندما تتهادى الأصوات ، وتخلد النفوس إلى
الراحة ، يبقى ذلك المعنى يدور في سباسب الحياة ، عرق ينبض ، وجرح نازف ، من
يستطيع أن يبحر خلف السحب القادمة نحو الأرض ، أهي تباشير تعطر برذاذ المطر ؟ .
يصيح الغارق ... من ينقذني ؟ ما للحياة
من مستقر حتى القبر !!!
ساعداي لا تحمل جسما ضخماً طوال الليل
هناك بدأ يضرب بلهفة ، يتلمس أطراف رجفة
بريق شاحب
وصوت يحتبس في تلك اللحظة يترآى أمرأة
غشيها النور تمرح بسعفة نخيل ...