الثلاثاء، 30 أغسطس 2011

البحث عن الأخر في قصيدة ( سأبحث عنك ) للشاعر سعد المظفر



البحث عن الآخر
في قصيدة ( سأبحثُ عنكِ ) للشاعر سعد المظفر
 بقلم د . مرتضى الشاوي

      في قصيدة سعد المظفر نجد توافق الضمير المستتر للدلالة على ذات الشاعر ، وهو ( أنا ) في الفعل ( سأبحث ) ، مع ياء المتكلم مقاربة من ذات الشاعر كما في ( طفلتي ، غاليتي ، غانيتي ) .
    في حين يكون الصوت الآخر عند المظفر متعلقاً بالفعل ( أبحث ) متأخر عنه بوساطة الجار والمجرور ( عنك ) وفي بهاء المعشوقة ( طيفك ، ألوانك ) ، ومع الصوت الآخر حاضر في قلب الشاعر بين كاف المخاطبة في ( سأبحث عنك ) و ( طيفك ، و ألوانك ) ، وياء المخاطبة في ( لا تنفري ) .
        ومن هنا نستنتج أنّ البحث عن الذات عند المظفر لا يحتاج إلى إثبات الذات ؛ لأنّ همه الصوت الآخر ، وهو مشترك معه في كلّ شيء .
      إنّ معجم سعد المظفر الشعري متنوع ، فكلّ مفرداته موسومة بشيء من التحسس العرفاني ، فقصائده غالباً ما تخلو من تجارب أصحاب المهن ، فهو ليس موظفاً حكومياً ولا صاحب مهنة إلا بالقدر الذي يحتاجه ويتنامى معه مثلاً مفردة ( سوق ) في ضوء التعايش البيئي كما وردت في القصيدة .
       سعد المظفر للشعر فقط دون غيره ، هو نفسه وروحه الذي بين جنبيه ، خياله خطب ورؤى نافذة وفكره صاف وصوره ناضجة ، فالبحث في معجمه الشعري يدور في نبض الشعراء بتوصيفاتهم الحسية ومحاكاتهم الفنية والرمزية الرومانسية غير المباشرة ، وبلغة إيحائية مبطنة بالجمال العفوي .
      فالبحث في معجمه الشعري يدور في نبض الشعراء الرمزيين العرفانيين ( الصوفية ) ، والمفردة عنده عرفانية لها عدة تفاسير ، لها ظاهر ولها باطن ، والمفردة عنده رمزية مبطنة تحتاج إلى متلقٍ ليس عادياً يفكّ شفرتها بدقة ؛ لأنّه يطير بك بخياله الواسع إلى عالم الحسيين ؛ ولأنّ عالمه خال من المهن الجاهزة ، وليس بعالم الواقع التراتبي المصنف ، فضلاً عن قلبه الذي ينقلك إلى عالم خالٍ من الشوائب .
      عندما تتلمس مفرداته تجده من خلال العمق الذي يتعايش معه هو لا يمتهن شيئاً سوى تواجده بين عالم الكتب فصداقته عرفت بخير جليس في الزمان كتاب ، ولهذا تشعر منذ الوهلة الأولى في بداية القصيدة أنّ قاموسه هو البحث والتنقيب في كلّ العوالم ، وقد جاءت مفردة ( سأبحث عنك ) ، قالها مرة واحدة ، ولم تتكرر؛ لأنّ البحث عنده ثابت ومستقر لا يحتاج إلى تأكيد ، ولأنّ الحروف عنده منظمة ودقيقة ما تحتاج إلى تبعثر وترهل ، فهي مغنّاة على شكل قصيدة في نغم تصاعدي لهذا يقول عنها :
" لا تنفري غزلة الحروف
أغنية تنمو القصيدة
في المواسم
أيام الوداد "
      كذلك يبرهن سعد المظفر عن انتقائية في معجمه الشعري مشحونة بالإختيار العرفاني ( الصوفي ) مثل ( قعر كأس ، وبقايا خمرة ، وقيامة الفراق ، وانتفاخ سديم ) ، فكل مفردة من هذه المفردات لها دلالة مشحونة بتفسير ظاهري وباطني ، ولا يريد التفسير الظاهري العائم ؛ لأنّ المتلقي يفهم أنّها بذيئة ساقطة ، أو يظن أنّ الشاعر في هوس عندما يسمع بالكأس والخمرة وغيرهما ، بل لها تفسير باطني أبعد مما يتصور القارئ ، فقد يعيدك سعد المظفر إلى عصور ابن الفارض والحلاج يقتبس روحية المعنى وليس اجتراراً للفظ مثلاً :
( قعر الكأس يرمز إلى التواضع ، والكأس ترمز إلى  الحياة أو الأنثى ، والخمرة ترمز إلى حياة الإنسان ، والانتفاخ يرمز إلى الولادة الحقيقية ، والقيامة ترمز إلى الاحتضار ،) وغير ذلك .
     أما البحث الجاري عند المظفر فهو مخصص بالظرف المتصرف القائم بالليل ( الليلة ) وهو تخصيص في بدأ البحث وفي عوالمه لا بظرفية النهار؛ لأنّ الليل عند الشاعر الفضاء الممدود وهو الأنيس والصاحب السمير ، فبدونه لا يستطيع بثّ تباريحه وأشواقه .
      يبحث عن معشوقته في ضوء ظرفية الليل وفي كسل النجوم بخفوت الضياء في بداية الليل ، ومن ابتداء حيثية الظلام عبر مخاطبتها بصوت العاشق الواجد على ذلك الطيف المارّ في لحظات النعاس إذ يفتشّ عنها في مواقع النجوم ، وعند ارتشاف الظلام  ضوء النجوم ، وعبر حضور الطيف ساعة الوسن ، وكأنّه سلعة بصرية كبقية العيون الباصرة ، لكنها مضنية تباع في سوق المبصرين بلا ثمن مثل إنسان أدركه النعاس فعيونه ذابلة ما بين أناس في حالة اليقضة ، كما جاء في قوله :
" سأبحث عنك
الليلة في كسل النجوم
حين ترتشف الظلام
وطيفك يبيعه الوسن
في سوق العيون بلا ثمن "
       فالبحث عنده جار ممدود لا ينتهي في ظرفية واسعة ، وقد علّق فعل البحث ( سأبحث ) بحرف الجر ( في ) ودلالته على الظرفية المستمرة .
      وقد تكرر ( في ) في خمس مواضع ( في كسل النجوم ، في سوق العيون ، في الأسود من ثياب الليل  ، في ليل الجنون ، في المواسم أيام الوداد ) ، للتأكيد على استمرارية البحث في ظروف زمنية متشابهة بوساطة حرف الجر ( في ) الموجود في النص .
  وآلية البحث عند المظفر جاءت منظمة ومرتبطة بمكون نحوي في نداء الآخر مستعملاً أساليب الطلب عبر وسائل متقاربة :
الوسيلة الأولى :
       مخاطبة الآخر بأداة النداء ( يا ) التي تفيد مطلق النداء للقريب والمتوسط والبعيد ، وبما إنّ البحث في مواقع النجوم وفي السماء المظلمة ، لا بدّ من استعمال ( يا ) للبعد ، ولم يناديها باسمها الصريح ؛ لأنّه نداء الشعور والعواطف والأحاسيس من خلال انعكاسات الأشياء على المحبوب وهو ينادي في صومعته كالعابد  يتقرب إلى معشوقه ؛ لأنّه في قلبه فلا يراه إلا في شكل الهلال الملتف كالجنين في غياهب البطون الملفوف كما يلف الهلال بثياب الليل الأسود زاهياً بلونه كاحتراق الشفاه باللون الأحمر في ليل المتهجد العاشق المفتون ، وكأنّه غابة زرقاء ؛ ولأنّ لون الغابات تبرز من بعيد بزرقة داكنة بكثافتها من الأشجار ونتيجة انعكاس ضوء النجوم وضياء الهلال المحترق في بدايته وفي قعر كأس العابد الصوفي وهو في صومعته كأنّها بقايا خمرة الحياة في قعر الكأس ؛ لأنّها  تمثل عنده الحياة التي تسقي السهاد لكي يكون يقضاً من أمره  دائما ، فالمحبوبة عند سعد هي الحياة بكاملها ، وقد شبّهها بخمرة العارف المتهجد في الليل وفي قعر الكأس كما جاء في قوله :
" يا نصف نصف هلال
يلتف كالجنين
في الأسود من ثياب الليل
ألوانك احتراق الأحمر كالشفاه
في ليل الجنون
وزرقة الغابات وقعر كاس
بقايا خمرة
تسقي السهاد "  
الوسيلة الأخرى :
       مخاطبة الأخر والبحث عنه في نفس الشاعر وبين خوالجه  أشبه بالمنولوج الداخلي ، لهذا السبب حذف أداة النداء نهائياً ؛ لكي يشعر المتلقي أنّ المعشوقة قريبة من نفسه لا تبعد كثيراً فهي في أحضان قلبه يحنو إليها غالبا كأنّها طفلته المدللة وكأنّها ثمرة أو القطعة الأثرية الغالية ؛ لأنّها أقرب من الرقاد في ساحة الاحتضار ، لقد وصفها بقوله بأنّها رقاد قيامة الافتراق ، وقد حذف المسند ( المبتدأ ) في الجملة الاسمية ، لأنّها هي نفسه الذي يبحث عنها بين جنبيه التي يفتشّ عنها تلك الطفلة المدللة الغالية  وكأنها قطعة عزيزة أثرية ، وهي الغانية لحسنها وجمالها الذي ينبهر من يراها لهذا السبب قد استغنت عن الزينة ، وقد استعان بمفردات الصوفيين في نقل الصورة الرمزية وإحساس الشاعر تجاه الآخر كما في قوله :
" طفلتي
غاليتي
غانيتي
رقاد... قيامة الفراق "
      لذا هي باقية يتذكرها ببقاء الشاعر نفسه لتذكره النجوم ، وكأنّها ثقوب انتفاخ في سديم يدلّ على مجموعة من الكواكب في المجرة مثقل بالهموم ، وأجمل قصائد الرثاء في النوح ، كأنّها لم تلد من قبل ولم تكن موجودة ولم ينظر إليها وتشاهد من بعيد مثل السراب عبر تتابع الذكريات ، وقد ختم القصيدة بقوله :
"  وتصبح النجوم ثقوبا ً
انتفاخ سديم بالهموم
كأنّها رثاء
كأنّها لم تكن
والذكريات سراب "
     في حين كان البعد الطلبي الآخر يضاف إلى أسلوب النداء بوسائله الظاهرة والمحذوفة من وجود أداة النداء وحذفها ، لقد حقق الشاعر مطلباً آخر عبر وسائل المخاطبة فسعد المظفر لا يقبل بالنداء وحده وسيلة طلبية ، ربما يشكل عنده نوعاً من الصمت ، فلا بد من أشعار المتلقي أنّ هناك صوتاً آخر موجود معه يأنس ويحدثه ؛ لأنّ البحث عنه مستمر ؛ ولكي يجعل الحوارية تامة بينه ومعشوقته عن طريق السؤال والجواب ، راح يطلب منها البقاء بزمن ممتد ؛ لأنّها بالحقيقة انتظام الحروف ، وكأنّها وشائج المغزلة المنتظمة ، ولأنّها نمو القصيدة  في لحنها التي تطربه وهي غنّاء في مواسم أيام الوداد تلك الأيام الهانئة وهذه  إشارة إليها بأنّها ودودة ولطيفة أيام الإشراق .
       وقد استعمل أسلوب النهي ويراد به ترك العمل ، لأنّه يطلب منها بعدم الذهاب منفرة بقوة البحث والتفتيش ، ولأنّها موجودة في القلب وفي كل مكان فلا تنفري مني بالابتعاد كالدابة النافرة الناشزة ذات نفار كما جاء في قوله :
لا تنفري غزلة الحروف
أغنية تنمو القصيدة
في المواسم
أيام الوداد "
       استفاد المظفر من ظاهرة الحذف في اللغة في التخفيف من العناصر اللغوية ، وهذا ديدن الشعراء العرفانيين ( الصوفيين ) بحذف الأهم ، لأنّه قريب من أنفسهم كما في قوله :
" أغنية تنمو القصيدة  "  ، والتقدير : أنت أغنية تنمو القصيدة
وأيضاً قوله :
" رقاد قيامة الفراق " ، والتقدير : أنت رقاد قيامة الفراق
        وفي ندائها ( طفلتي ، غاليتي ، غانيتي ) حذف اداة النداء ، لأنّ المعشوقة قريبة من نفس الشاعر يعيش معه في قلبه وكيانه ، وهو يراها كالنجم في ثبات نوره والهلال في احتراقه .
      فضلاً عن ذلك استثمار مخاطبة الآخر بصفاته وليس باسمه لإبراز محاسن المحبوبة بشيء من صفاتها المعنوية لا بصفاتها الجسدية كما في قوله :
" طفلتي
غاليتي
غانيتي " وقد حذف أداة النداء كما قلت آنفاً ، ولا تحذف إلا في مجال التدلل والدلال المفرط والغنج وترقيق الألفاظ للتخفيف من الآلام ؛ لأنّها عزيزة مدللة مشرقة بحسنها ، وكأنها طفلة ، ليس لها ثمن مشاحة بحسنها الطبيعي بدون زينة .
       في حين أسلوب التكرار عند سعد المظفر لم يأخذ أبعاده اللاشعورية ، بل كان تكراراً يقينياً بالمفردة الواحدة في بيت واحد من أجل حشد التصوير وتقوية المجاز الاستعاري في قوله ( يا نصف نصف هلال ) بالرغم من أنّ البحث عن الآخر ممتد إلى  زمن المستقبل في الفعل ( سأبحث عنك )
     أما البنية الإيقاعية عند سعد المظفر فنجد فيها القافية مرسلة ؛ لأنّ القوافي عنده متنوعة تجري على التخالف والتناظر والتشابه ، كما تجري القافية في قصيدة الشعر الحر ( شعر التفعيلة ) ، لأنّ المظفر من بيئة بصرية ومن جنوب العراق وأثر القصيدة الحرة في شعره واضح وبارز على الرغم من أن أغلب قصائده نثرية إلا أنّ مواطن التأثير فاعلة في قصائده .
مثلا تتواجد القوافي المتشابهة  الموحدة :
 كالميم في ( النجوم ، الظلام ، المواسم ، هموم)
والنون في ( الوسن ، ثمن ، الحنين ، الجنون )
واللام في ( هلال ، الليل )
والدال في ( السهاد ، الوداد )
والياء مع  حرف الروي  التاء ( طفلتي ، غاليتي ، غانيتي )
فضلاً عن القوافي المنفردة :
كالكاف في ( سأبحث عنك )
والهاء في ( الشفاه )
والسين في ( كأس )
والفاء في ( الحروف )
والقاف في ( الفراق )
والهمزة في ( رثاء )
والياء في ( سراب )
      أما الصورة الفنية عند سعد المظفر فهي غاية الإبداع منذ الوهلة الأولى وقد امتازت صوره الشعرية كلّها بالرمزية الرومانسية غير المباشرة ، فضلاً عن إدخال الرمزية في حالة التوصيف الحسي ، مستفيداً من عرفانية المفردة  في مخاطبة العقل الباطني مما يجعله في درجة شعراء العرفانيين ( الصوفيين )
كاستفادته في تجزئة الأشياء من أجل الدلالة على الكلّ كقوله :
 " يا نصف نصف هلال "
وكذلك استثماره من معانيهم الباطنية في قوله :
" وقعر كأس
بقايا خمرة تسقي السهاد
....................
رقادِ ... قيامة الفراق
وتصبح النجوم ثقوباً
انتفاخ سديم بالهموم "
       وقد أشرت إلى معاني المفردات هذه سابقاً ، لقد وظف أساليب البيان من أجل أغناء صوره الشعرية بالجانب البلاغي، وهذه مميّزات فنية خاصة بشعره ، وهي حقيقة ملموسة للقارئ النموذجي و العادي .
مثلا توظيفه الصور التشبيهية مستعملاً أركان التشبيه من مشبّه ومشبّه به وأداة التشبيه ( الكاف ، وكأنّ )  كقوله :
" يا نصف نصف هلال
يلتف كالجنين
في الأسود من ثياب الليل
ألوانك احتراق الأحمر كالشفاه
 في ليل الجنون  "
وكذلك قوله :
" وتصبح النجوم ثقوباً
وانتفاخ سديم بالهموم
كأنّها رثاء
كأنّها لم تكن
والذكريات سراب "
وأيضاً توظيف الصورة الكنائية في قصيدته كما في قوله :
" سأبحث عنك
الليلة في كسل النجوم " كنى عن خفوت ضياء النجوم
وكذلك " وطيفك يبيعه الوسن
في سوق العيون بلا ثمن "  كنى عن النجوم الكثيرة
بثياب الليل عن الستر والوقاية
وبزرقة الغابات عن كثرة الهموم
وبالكأس عن الحياة الصافية
وبالخمرة عن حياة الإنسان
وبغزلة الحروف عن انتظام القصائد
وبطفلتي  عن محبوته المدللة
وبغاليتي عن قطعة أثرية
وبغانيتي عن  الجمال الطبيعي
وبقيامة الفراق عن احتضار الروح
وبانتفاخ السديم  عن ولادة النور
        أما عن المجاز الإستعاري  - الصورة الاستعارية - فقد بلغ ذروته قي سلم التوليد والابتكار في المعاني الجديدة ، مثل ارتشاف الظلام ضياء النجوم كما يرتشف العاشق لمى معشوقته في قوله :
" سأبحث عنك
الليلة في كسل النجوم
حين ترتشف الظلام "
وتجارة النعاس بطيف المحبوبة في سوق العيون في قوله :
" وطيفك يبيعه الوسن
في سوق العيون بلا ثمن "
       وتثقيب النجوم بالسماء وهي مثقلة بالهموم كانتفاخ السديم وهي بقع سحابية متوهجة أو مغيمة في الفضاء ناتجة من تكاثف أو تصادم عدد لا يحصى من الأجرام السماوية .
      وأظن أنّ الشاعر قد أعطى سبباً معقولاً وتعليلاً حسناً لتثقيب النجوم نتيجة انتفاخ السديم ، وقد سجّل حضوراً بارعاً على مستوى علم البديع في  حسن التعليل وهو من المحسنات المعنوية .
وهذا يدعوننا إلى أن نتلمس المبالغة الفنية في شعر سعد المظفر لكي يكون في ريادة الوصف الحسي والمعنوي معاً وقدرته على التوليد والابتكار في المعاني كما قيل سابقاً ( إنّ أعذب الشعر أكذبه ) ويراد به الكذب الفني  .
      في حين برز المجاز الاستعاري في التفاف الهلال ، وهو وصف للحبيبة في ظلام الليل كالجنين عندما يكون في ظلمات البطون ولا يقبل بذلك بل يمازج ويداخل الأشياء الحسية مع الأشياء المعنوية ليصنع منها صوراً مركبة كقوله :
يا نصف نصف هلال
يلتفّ كالحنين
في الأسود من ثياب الليل
ألوانك احتراق الأحمر كالشفاه
في ليل الجنون
وقعر كأس
بقايا خمرة تسقي السهاد "
        فضلاً عن رمزية الألوان وهي من مكملات التصوير الشعري عنده ، ربما كان اللون الأسود هو من ثمرات حياته التي تميزت به قصائده بكثرة ، وهو لون عائم على شخصية الشاعر مما جعل له انطباعاً وبصمات على شعره ويتناغم معه اللون الأزرق ، وهذا دليل على العمق الجاذب والهدوء العاطفي والاسترخاء والحاجة إلى الراحة ؛ لما يحمل من آلام كثيرة وكبيرة قد مرّت عليه لكنه لا يرضى بهذين اللونين مهيمنين على حياته بالدرجة الأساس فدائما يتطلع إلى اللون الأحمر ؛ لأنّه القوة والشجاعة والريادة ومتضمن كلّ معاني الحب والعاطفة المتوثبة الجياشة ، مما تشعر منه بشخصية تشع نشاطاً متميزاً بحيوية الشباب وانبساطية وتواضع مستمر لا حسداً عليه ، وإنما من باب الغبطة والفرح والسرور.
د . مرتضى الشاوي
2011م = 1432هـ

متن القصيدة :
سأبحثُ عنكِ – سعد المظفر
سأبحثُ عنكِ
الليلةَ في كسلِ النجوم
حين ترتشف الظلام
وطيفك يبيعه الوسن
في سوق العيون بلا ثمن
يا نصف نصف هلال
يلتفُّ كالجنين
في الأسود من ثياب الليل
ألوانُكِ احتراقُ الأحمر كا لشفاه
في ليلِ الجنون
وزرقةِ الغابات
وقعرُِ كأسٍ
بقايا خمرةٍ تسقي السهاد
لا تنفري غزلة الحروف
أغنية تنمو القصيدة
في المواسمِ
أيام الوداد
طفلتي
غاليتي
غانيتي
رقاد...
قيامة الفراق
وتصبح النجوم ثقوباً
وانتفاخ سديم بالهموم
وكأنَّها رثاء
كأنَّها لم تكن ...
والذكريات سراب !!!                                       
سعد المظفر


أثر التجربة الموسيقية في صقل شعرية تحسين عباس


أثر التجربة الموسيقية في صقل شعرية تحسين عباس*
                                 بقلم د مرتضى الشاوي
     هناك طريقتان لتقويم أيّ نص أدبي : الأولى هي الطريقة التحليلية وهي طريقة تشريح وتفكيك النص في ضوء مناهج النقد    المتنوعة ، والثانية هي الوصفية وهي طريقة شرح النص وفق منهج انطباعي عام ، والنصوص كآثار إبداعية تتمتع باستقلالية عن مبدعيها إلا أنَّ شخصية المؤلف أو الزمن أو الظروف الاجتماعية ( البيئية ) هي عوامل مساعدة قد تعيننا على فهم النص ، ولكنّها ليست النص نفسه .
     وعندما نخوض في تلقي النص الأدبي شعراً أو نثراً تتوضح الأمور الاجتماعية والقضايا المهنية وتطويع التخصص المهني داخله إذ تطفو على سطحه بارزة ، ومنها تتجلى روابط وعلاقات النص بوصفه كياناً لغوياً أو ظاهرة اجتماعية أو استجابة جمالية
ومن هنا نجد أثر الجانب الموسيقي المتمثل بالجانب المهني أو الفطري بوصفه موهبة وانعكاساته الفنية تظهر بوضوح في صقل وتشذيب مثلاً شاعرية تحسين عباس  .
      تحسين عباس ليس شاعراً وحسب ، بل هو إنسان مهني وصاحب تجربة موسيقية امتدّ عمرها بالعزف بآلتي العود والكمان منذ ولعه بهما أو تواجده في دائرة الفنون الموسيقية وإلى يومنا هذا ، وله باع طويل في حركة تجديد السلم الموسيقي .
      فضلاً عن ذلك ما يميّزه براعة مؤلفاته الموسيقية وأعماله الفنية المختلفة ومشاركاته الفنية في مجال الفن - الموسيقى والمسرح - والكتابة والتأليف في مجالات أدبية وفنية وثقافية متعددة .
     كلّ هذه الأسباب يضاف إلى تواجده الفني في نشر منجزه الفني والشعري في الصحف والمجلات التي صنعت منه فناناً ممارساً مزداناً بفيض من الحس الموسيقي والإذن الرقيقة والقلب الذي يتسع لأنغام الحياة .
        وفضلاً عن ذلك تلك الموهبة الشديدة في مواصلة حركة الفن والأدب معاً ، كلّ ذلك قد صقل تجربة تحسين عباس  وامتلاكها التهذيب والتثقيف فأصبحت تجربة ثرية بفضاءاتها ؛ لهذا السبب أمتاز أسلوب تحسين عباس بفيض من الحسّ الجمالي والعاطفي الخاص والصورة الشعرية الرقيقة والإبداع الفني على مستوى الانتقاء في اختيار المفردة اللغوية الجذابة واللغة المجازية الموحية والأسلوب المتنوع .
       حتى طغتْ على شعره ملامح التفنن والتغني بل الغنائية بحد ذاتها في تجربته الشعرية ، فالبوح الشعري هو ذاتي غنائي لا سواه بل المتتبع لشعر تحسين عباس على اختلاف ألوانه وأنماطه من عمودي ( كلاسي ) وشعر التفعيلة ( حر ) وقصيدة النثر يجد صوت الذات هو الغالب في كلّ شعره وصوت الأنا الفردية هي المؤاتية في مواطن قصائده .
     فغنائية تحسين عباس في شعره تنمّ عن موهبة عارمة وممارسة متدفقة وفكر مشحون كلّه بالعاطفة والانفعال .
   لم تكن لديه دراسة موسيقية في الفنون الجميلة  بل كان الحافز هوايته في تعلم الموسيقى ، فكان له الأثر في ترسيم وصقل تجربته الشعرية ومدى اتساعها ، وهذا أكيد بالدرجة القطعية إلا أنّ تجربته العاطفية هي الغالبة أيضاً وراء سرّ الإبداع  في شعر تحسين عباس بمناخاته الفنية الزاخرة .
     قيل لا دخان بلا نار ، فلا إبداع شعري بلا تجربة عاطفية  لهذا نراه يترجم عن تجربته العاطفية في وصف الحب في أغلب قصائده كما جاء في قصيدته ( غزل القوافي ) :
فالحبُّ إعجابٌ  وحسُّ شاعرٍ      يتلوه قولٌ  بالشعورِ     جميلُ
والعشقُ جذبٌ في النفوسٍ بريقُهُ  يتلوه   ليلٌ ساهرٌ      ونحولُ
ساءلت نفسي أيُّهم   بي ساكنٌ    رُدَّ عليّ      سؤالي المسؤول
صارحتُها  بالشعرِ فابتسمتْ له   وكأنَّها       قمرٌ ضياه   أصيلُ
فاحتار ليلٌ في النجومِ علامةً    هو      حاضرٌ أم غائبٌ  وأفولُ
فتراشقتْ   أفكارُ حلمي غيرةً   أنا في   هواها أمْ     هُناك خليلُ
فبكتْ عيوني في الهيامِ بحبِّها    ترنيمةٌ     مطروبةٌ      ودليلُ
فتغازلتْ معيَ الحياةُ وأصبحتْ   فابيّضَ     من أحداقِها التبجيلُ
فغدوتُ   أعشقُ دمعيَ بتدفقٍ   وأغارُ منه        إذا أتى التنزيلُ
فتشبَّعَ  الإحساسُ تذكيراً بها   ففقدتُ     حِسّ الحبِّ وهو سليلُ
وغدوتُ لا أدري بنفسي !    هل أنا هِيَ أم أنا نفسي ؟وتاهَ سبيلُ
يُغمى عليَّ وغفوتي صحوٌ بها     أشكو غرامي  والغرامُ عجولُ
يا أيُّها العشاقُ  يكفي لومُكم   صارَ الجنونُ     نهىً وهو حمولُ
قالتْ إذا كنتَ  الذي أحببتني   فلْنندمجْ      كيّاً  فصرتُ    أقولُ  
ما قلتُ إنّي   أنكوي ناراً ولا  أدري   بناريَ      أنكوى القنديلُ
     فتجربة العشق والهيام بالمحبوب عند تحسين ليست تجربة عشق حسية قابعة في زوايا الجسد ومفاتنه بل تقترب من تجربة الغزل العذري ، فشوقه محموم ولوعته شفافة مجنونة وتنهده تألم كما يقول في القصيدة نفسها :
الشوقُ محمومٌ  بها   وعليلُ    والصمتُ منها قاتلٌ    وقتيلُ
أضنتْ  فؤادي ثم  دقّتْ  بابَه    فارتاحَ بالشكوى وصارَ يميلُ
 ..........................
هي لوعةٌ     شفافةٌ مجنونة    مطروبةٌ    لا تعرف التعليلُ
أوصافُها   تسري بليلٍ داجنٍ    تغدو يحاكي    قلبَها التهليلُ
وتنهدٌ   متألمٌ     في باطنٍ     وتعلقٌ     وتشابكٌ  مجبولُ
      فإحساساته مشحونة بفكر ثاقب وهادف ، والحب عنده هو امتداد لحب سامٍ بل حب في الله وهو لا يميل عنه  ؛ لأنّ تجربته الفنية والشعرية هي موهبة من الله وفنه وشعره في الله فالفن والأشعار ممزوجة تسري في الدم لهذا السبب يقول :
فالفنُ والأشعارُ فيضٌ في دمي    يسري وغاروا منكِ إذ  تبديلُ
لم يبق غيرُ الله في قلبي هوًى   ربَّي ولا أرضى   عليه  بديلُ
فالحبُّ نعمتُه   علينا   بالرّضا   جمعَ النفوسَ  بودّه   سعديل
     وهذا دليل على تجربة الشاعر العاطفية في إبداعه الشعري ، وعن موهبة رافدة وثقافة وافدة في منجزه الفني والشعري .
     والواقع إنني أميل إلى العامل الثقافي بالدرجة الأساس بوصفه الحالة المؤثرة في البناء النفسي والوجداني للفنان والشاعر ، ثم العوامل الأخرى منها الجانب المهني والأكاديمي والموهبة الفطرة الصافية ، وهناك منابع متعددة تتضامن فيما بينها فتضفي على مستوى معين من مستويات الإبداع .
      وقد قيل إنّ الشعر لا يحدث إلا في حالة من حالات ثلاث الغضب والطرب والشرب ، وإنّ بدايات كتابة الشعر ونظمه إنّما ينبثق من ثنايا تجربة عاطفية فردية .
     وكأنّ معاناة الحب تقف في قمة المنحى العاطفي الانفعالي لدى الإنسان ، ويبرز دور الانفعال أو التوتر في تعميق العمل الإبداعي عن طريق تدعيم التفاعل العميق بين الفنان والتجربة الواقعية ، وبالتالي شحن الموضوعات الفنية بقدر كبير من الانفعال والحساسية .
      إذاً اتجاه الشاعر الفني ذا أثر كبير في صقل موهبته الشعرية الناضجة والناتجة من تجربة واقعية ، فالفن حالة توتر، وليس حالة استقرار وحالة التوتر تصنع من السكون نتاجا فنياً ، وهذا ما نلمحه عند تحسين عباس .
      لقد انعكست موهبة الشاعر الفنية على شعره ؛ لهذا نجد كلّ مفردات الموسيقى ممزوجة بمفردات لغة شعره لتشكل معجمه الخاص به كما في قوله :
غنيتُ والنايَ والترنيمَ يحسدني        شهقتُ بالأسم نطقاً فاهتدى الثملُ
 وأيضاً قوله :
زوارقُ موسيقاي قيثارُها سما  معالمُ وركائي بمسمارِها أكتبوا
وفني شعاعُ الشمسِ بابله لظى  سقى كلَّ فنانٍ يرقُّ   ويصحبُ
      وأحياناً يشبه الأشياء المادية بالموسيقى والشعر كما قوله :
" دجلتي موسيقى
وفراتي شعر
وبغداد مني
يقبلها الرافدان
أجهشت حروفي على ثنايا شاردتي
بالحبر الأحمر "
والشعر عنده كبقية الفنون الحسية كما جاء في قوله :
الشعرُ فنٌ عوامُ الناسِ يطربُه   والفنُ حِسُّ الحشا والوجد يشتعلُ
وكذلك انعكست أشعاره على مستوى قصيدة النثر فاللغة عنده :
" ذبذباتٌ مذابة
تجذبُ الأسماعَ
في مددٍ ماسي
تنزلُ من سمواتِ
الكلمات بـ ... "
كذلك نجد لمفردة الشعر صدى في تعريفاته الشعرية :
" تراتيلٌ خافية
في ظلّ ممدود
حرثتْ كلماتِ الحبّ
في القلبِ وأمطرتْ
رحيقاً بـ ..."
وكذلك مفردة الموسيقى هي بدورها :
" نغمة صنعتها الإضلاع
في عالم سحري
وزمن ضوئي
يحتسيه الحالمون
في الليل بـ ... "
      ولهذا قيل إنّ الأدب بغير فنٍ رسولٌ بغير جواد في مرحلة الخلود ، والفن بغير أدبٍ مطيّة سائبة بغير حمل ولا هدف ، وإنّ الفنان الرفيع ينتج فناً رفيعاً من بيئة متواضعة ، والفنان السوقي ينتج فناً سوقياً من بيئة مرتفعة ...
      فالشعر والموسيقى أول ثنائية متحدة لا تنفصل ، ومن الشعر والموسيقى كان الفن والإبداع ، وعلاقة النغم بالكلام علاقة قديمة تطرب لها الإذن وتهدأ لها النفوس.
     لهذا نجد تجربة تحسين عباس الموسيقية قد انعكست إيجاباً على تجربته الشعرية مما ساعدها على النمو والتقدم السريع الصقل والدربة والمران ، فاجتاز مرحلة الكتابة العادية إلى مرحلة النظم بأنماط الشعر .
    فللعمودي حصة لا بئس بها ، وهذه تعدّ أولى مراحل كتابة الشعر عنده كما يبدو لنا من ديوانه البكر الموسوم بـ( عقارب الذاكرة ) ، فقصائده العمودية تتمثل في أربع عشرة قصيدة ومقطوعة ( نفدت قوافينا ، غزل القوافي ، تفاصيل ، لا تمدحي ، شعاع الحب من طه ، قالت لما صارحتها ، أراجيح الزمن ، بركان الشجون ، حروف الحكايات ، مزايا بلادي ، خيل الرجال ، أنشودتي ، شذا المثنى ، صدى الوركاء  ) .
     وله قصيدة واحدة على نظام شعر التفعيلة ( الحر ) بعنوان ( سبايا القلق ) منها :
" يا حبيبي لا تسافرْ
عن أراجيح الزمنْ
علنّي أصبحُ شاعرْ
أكتبُ الحبُّ على تلك الطلاسمْ
أنتَ أحلى من يغني في الخواطرْ "
       فالحب ما هو إلا انعكاس لتجربة عاطفية مطرزة بأوتار الفن الموسيقي ومفعمة باستذكار معاني الشعر ، لأنّ الشعر عنده يمثل رسالة الفنان المبعوث والموصول بالموسيقى لهذا يقول عنه :
فالحبُّ حرفان لا أقوي به لغة  لأنني لو لفظتُ   القولَ   أرتحلُ
أنتَ الذي أرضع الأشعارَ من ولهٍ     فصار ناظمها في النفس   يقتتل
...........................................................
ينبوعُ شعري هواكم قاده  الأمل  يسقي ضروباً تريد النظم تكتحل
ما همّني الحال إنّ الناس تجهلني     فقد أحبوا سنا الأعلام مذ جعلوا
............................................................
لامُ القوافي بغير الوزن تتطربُ    جذبتها نغماً    يحلو به العسل 
............................................................
أكابرُ الشعرا قد صوروا حكماً     لو يعلموا أنك التصويرُ والبدلُ
رسالةُ الزاجل المبعوث مولعةٌ    ترجو وصالاً لموسيقى بها خبلُ
        والموهبة هي الاستعداد الفطري للخلق والإبداع والتجربة العاطفية ، وكذلك الدربة والمراس والمران تضاف إلى ولعه بالموسيقى وسماع إذنه الرقيقة الحساسة الأنغام والثقافة المتواصلة ، هذا كلّه قد أعطى الفنان الأصيل والشاعر المبدع تحسين عباس عمق التفوق ، وقد ظهر جلياً في المجال الموسيقي وانعكاسه المميز على إبداعه الشعري بعمقه الثر في الكلاسي العمودي أوفي شعر التفعيلة أوفي القصيدة النثرية التي بدت تبرز ناضجة بوضوح .
      لدى شاعرنا كثير من الأمور الفنية الطاغية على شعره منها التنويع في الصيغ والعبارات وفواتح الجمل والفقرات واستعمالاته لأصوات التواصل في انسحاب العبارات وارتياحها فيما بينها واستعمال الألفاظ المألوفة من القرابة اللفظية فلغة الشعر عنده هي لغة العاطفة الممزوجة بالحس والشعور ، فضلاً عن عرفانية الحروف بدلالاتها المعنوية وربما يعطينا تفسيراً باطنياً لحروف اسم محبوته كما في قوله   :
الشوقُ محمومٌ بها    وعليلُ      والصمتُ   منها   قاتلٌ وقتيلُ
أضنتْ فؤادي ثم    دقّت بابَه      فارتاح بالشكوى وصار يميلُ
سبقت قصيدي قبل أن راودته      فتعثر  الإيحاء      والتفعيلُ
فاستسلمتْ كلّ القوافي منطقا      وغدتْ تغازلها بها    وتجولُ
فسقت بقاعُ الروح من نظراتها    واخضرّ فكري واستفاق دليلُ
ألف تآلفَ   قلبُها   سينٌ سنا     ياء يُرى   لامٌ لظاه     أسيلُ
جمعتْ حروفاً أطربتْ عود الهوى   نغم بلا وترٍ   وجُنَّ    ثميل
حتى قيل إنّ الشاعر مجموعة من المعاني المتضمنة في دلالاته المتنوعة في القصيدة .
       وقصيدة النثر لا تقل أهمية من وجود الأثر الموسيقي وأبعاده المعروفة كما هو مشهور في التفعيلات التي تشكل رموز إيقاع بحور الشعر العربي إلا أنّ النثر بعباراته وشحناته وبصماته الإيقاعية ، قد استفاد من التجارب السابقة في انسيابية الأبيات بقصرها وطولها ضمن أساليب منها أسلوب التكرار أو توحيد القافية أو تجنيس الكلمات  مثلاً كقوله :
" أحبّك في جوف هلوستي
أحبّك قبل بوحي وبعد صمتي
أحبّك قبل تنقيطي وتفقيطي
نطقت باسمك فتلذذت بصوتي
...........
يا قلعة ضادي ومعتكفي
 يا فاكهة حرفي في محبرتي "
فالقصيدة ممزوجة بأوتار النغم الموسيقي المستعارة من إيقاع الشعر الحر مثلاً قوله :
" حبيبي – حبيبي
على راحتيك
أنازع بياني
حبيبي – حبيبي
على مقلتيك أشاهدُ نفسي
عليلاً بحمى الخيال
إذا ما رواني
حبلى الحروف بمن ينقطها هدى
والطلق في إلهامه ضلّ المدى
رهنت هواها في جهاني واستوى
ألقاً يداعب ذكرياتي في الصدى "
      ونستشفّ من هذا التجوال المتواضع مدى انعكاس تجربة تحسين عباس الموسيقية على شعره في ضوء البنية الإيقاعية للقصيدة الواحدة وفي باكورة نتاجه الشعري بدلالاتها المشحونة مما سجل معجمه الشعري له حضوراً بهذه البصمات الفنية .   

*روافد المقالة :
 عقارب الذاكرة – شعر تحسين عباس ، العالمية للطباعة ، العراق ، المثنى ، ط1 ، 2011م .
                                                     
                                             د . مرتضى الشاوي
2011م =1432هـ