الخميس، 30 أغسطس 2012

تجليات الأداء النصي المعاصر


تجليات الأداء النصي المعاصر
قراءة فنية في ( نهر قطعت أنفاسه النار ) مجموعة شعرية لعلي العبادي
د. مرتضى الشاوي
            
استدعاء المفردة المعاصرة وتوليد في الصيغة الفعلية :
      إنّ الشاعر المعاصر قد حقق مقاربة ثقافية من المتلقي في إشراك النثر الفني في إيصال الرسالة التعبيرية بطريقة الصورة الشعرية من خلال الإضفاء على النص حيوية متميزة في تقبل نصوص الرمز واستدعاء لغة الحياة اليومية وشيوعها في الشعر مؤطرة بمخيلة جذابة في تصوير العواطف والمشاعر التي تلتقط المشاهد الواقعية بإحساس يمتلك شحنة انفعالية  نحو الاشياء .
كما نراه في استدعاء المفردات المعاصرة  مثل مفردة ( جلطتان ) وتوليد في الصيغ الفعلية مثل الفعل ( عكسن ) في قوله :
 " سلامٌ على قلبك
سلامٌ على روحك
جلطتان
عكسن رياح الخمول والسكون
جلطتان
عانقن الحياة رغم ذبولها
جلطتان
يرتشفن وجع المفردة " ( ص 29 )
بنية التكرار :
يهدف التكرار إلى إبانة نفسية المتكلم كالانفعال بأنواعه وقد يكون التكرار لكلمة واحدة تمثل بؤرة استقطاب للحدث الانفعالي كما في قوله في تكرار الفعل( كفى ) وهو تكرار لا شعوري  :
" امرأةٌ تركض تخبطاً بخوفها
ورجل كهلٌ فرّ من ذاكرة الوقار إلى ذاكرة الاحتقار
ومنهم من فرّ من الموت إلى الموت
وأطفال قلوبهم تتصارخ
كفى
كفى
كفى
أيتّها السمراء لا ترحلي
لقد رحلتِ من جغرافية ضاقت بها حتى عويل النساء " ( ص 22 – 23 )
وقد يكون التكرار لأكثر من جملة متشابهة من حيث التركيب ؛ لأنه يميل إلى إشباع المعنى الذي أراده الشاعر من إيصاله إلى المتلقي كانفعاله تجاه الأخبار عن ذاتية المرأة العصرية من منظور قديم وحاضر ومستقبل ،  لكنه يريد المرأة المعاصرة هي الأنسب  له كما في قوله :
" أنت امرأة العصر الذي لم يأتِ
أنت امرأة العصر الذي أتى
أنت امرأة العصر الذي سيأتي
أنت امرأة هذا العصر " ( ص 7 )
    فضلاَ عن الانتفاع من العبارات الجاهزة في الاستفادة من لغة الشعبي  المطروحة عند قارعة الطريق أو غيره لما تحتوي من أمتاع أدبي ، وهي لمحة دالة على الحياة اليومية وتسجيل للمظاهر الأسلوبية المتكررة عند عامة الناس في مهمة فنية لاستجلاب الإيقاع الصوتي المؤثر في النفس باستعمال صيغ التكرار المتنوعة كما في قوله :
" أريد أن أقول
وأريد أن لا أقول
لكن سأقول عندما لا أقول
الكلُّ يقول ما يخرج من القلب
يدخل إلى القلب إلاّ أنا
أقولْ ما يخرج من العين
يدخل إلى القلب " ( ص 8 )
 وكذلك استعمال عبارة يجوز أو لا يجوز  بمفهومها الشائع كما في قوله :
" يا الله
لماذا برّاد الموتى ندخله رغماً عنا ؟
تتجمد دموعُنا
فتذوب أرواحنا
يجوز ولا يجوز
يجوز الموت
لا يجوز أن تحيا
إذا مات الموت فينا إعجابا
قد لا أكتب رسالة أخرى " ( ص 23- 24 )
 الأداء الدرامي :
        وهو يقوم بإظهار صوتين : الأول منطوق ، والآخر صامت ، وبينهما علاقة جدلية وقد استفاد المبدع علي العبادي من تأثير ممارسته المهنية في التأليف المسرحي والتمثيل على نتاجه الشعري في مجال القصيدة السردية الدرامية ، وربما يقوده إلى تهجين الحوارات داخليا ( المنولوج ) أو خارجياً ( الدايلوج ) كما نراه في هذه المشاهد الشعرية بطريقة الحوار الدرامي المسرحي  :    
" مازلتِ تبحثين عن ذاتكِ
في ذائقة الموتى ؟
التي هشمتْها رياحكِ
دولةٌ بلا علم
فلا أكونَ لك شعباً
حتى لا تقتليني وتفتشين
عن ذاتكِ في ذائقتي الميّتة
تقولين لي :
" أنتَ ميتٌ منذ أن كنت
جنيناً في ذاكراتي
فولدتُكَ شابّاً يانِعا
في ذاكرة الوجع" " ( ص 9 )
 وكذلك قوله :
" يقول العرّافُ
مرة أخرى
جهنم للفقراء مجّاناً
على أن يحمِلوا جوازاتٍ
مختومة بسيماهم " ( ص 17 )
 وأيضاً قوله :
" نظرة تلو الأخرى
سُمْرتُها أنبأتني ربَّما لا توجد أخرى
قلتُ : بلى
نظرة تلاها انفجار
تناثرت أشلاء الذكرى على رصيف عاطفتي
التي أراد متذوقو الجمال إحراقها
بدم تلك السمراء
حينما يعلُ صوت الضجيج
فوق دقّات الحُبِّ
لا تسمع سوى الفرار " ( ص 22 )
أنسنة الأشياء :
       وهي من مظاهر الجمال  في صناعة الصورة الشعرية بأسلوب حيوي ، يتخذ من الأشياء الطبيعية حراكاً فاعلاً في مزجها بلغة مؤنسنة وإضفاء الطابع الإنساني على الجمادات أو مظاهر الطبيعة الخلابة كما قوله :
" يتراقص خريَر الماء فرحاً
حينما تبتهل دموعي
في محراب مهجور
لا يدخله الذي في جعبته بقايا سرور
أعيش في جزيرة
يابستها دَفنْتُ جسدي
وماؤها أغرقَ روحي
انتظركِ لنصرتي " ( ص 22 )
المفارقة النصية :
    تعدّ المفارقات بكثافتها النصية صناعة فلسفية في إبراز الصورة الشعرية بطابع فكري يحتوي على التعقيد والغموض والإثارة والجاذبية وعنصرالمفاجئة ( الصدفة ) ، وهو ناتج عن مرجعيات ضدية في البوح الفكري الاجتماعي ، يصل إلى حد التشابك في العلاقات ؛ لما تمتلك من مسافة التوتر الجمالية في التعجب والانبهار والحيرة في استقطاب المتلقي بدرجة المفارقة الفلسفية المبطنة بطابع التصوير البياني المجازي  من تشبيه  أو غيره كما في قوله :
" صمتي
كلامي
وجهان لعملة جنوني
إنسانيتّي يتيمة المعنى
كغيمة تنوءُ بمطر الضجر " ( ص 14 )
الترميز الإشاري :
إنّ نجاح الرمز الأسطوري الآشوري الإشاري بالاقتباس المباشر مستوحياً أسطورة ( كلكامش ) في البحث عن نبات الخلود وهذا ليس ضمناً ، بل يعود إلى مقدرة الشاعر المصور في استدعائه  حتى يصبح جزءاً من مخيلته ومشاعره وعواطفه فهو يعقد مقارنة بين الماضي والمستقبل ، وبين أمسه وغده ، وكأنّ المسافة تنطوي على التلفيق  للتقارب المكاني ؛ ليبحث عن عدة انفعالات تتأرجح حولها صورة حلمية تسجل صورة الألم البارز على وجنات الألم عند الأطفال كما في قوله :
" ما بين بحث كلكامش عن عشبة
الخلود وانتظارك مسافة
هذيان الحلم خلاصته أنت
في هذه الحياة
حرارة شمسنا تجفّف الدمع
على وجنات أطفالنا " ( ص 13 – 14 )

 الإحالات :
نهر قطعت أوصاله النار – مجموعة شعرية لعلي العبادي ، طبع بمكتب الزوراء ،  ط1 ، 2011م







طائر الإرث / قصة قصيرة



 طائر الإرث * قصة قصيرة
      الظلام مطبق في كلّ الإرجاء ، والوحشة متمركزة حول مشهد كانت عيناه تلتقطان صورة الوحش الذي يتحرك بسرعة ومشوشة في أغصان السدر وسعف النخيل ، في حينها كان يتصاعد معه عواء الريح المخيف في دائرة نظره ، تنفتح عيناه ؛ لترى الأشياء تترجرج ، وقد ازدادت شيئاً فشيئاً ، واستمر العواء ؛ ليشتد به الخوف والتنفس السريع بتنهد عميق ، إذ يرى الليل البهيم يدنو منه هبوطاً على حسرات غابات النخيل .
       النهر من أمامه موغل في الظلام سوى انعكاسات الأشعة القادمة من نور القمر حول انكسارات الماء ، أما أشجار النخيل فخلفه معتمة ، يتشظى من السعف في كثافته أصوات متضاربة ومطعمة بحفيف متصاعد تدريجياً.
      لم يهداً قلب " سعيد " إذ تتسارع نبضات قلبه ، يجرّ أنفاسه ، وهو يحرس جانب السدة في نطارته المعهودة خوفاً من اقتحام الماء المتعالي بقوته وجريانه ذلك المكان ، اعتاد الناس في نطارتهم الليلية أن ينشغل أحدهم بآلة الصيد ( الفالة ) عند مجاري المياه القريبة من فتحات النواظم المغلقة إذ يتواجد السمك بالقرب من تلك الفتحات بسبب المياه النابعة بفعل الماء الطافي فوق نهر الفرات في موسم( الموح ) وعندما يرجع النطّارة  إلى محل سكناهم يجلبون إلى عوائلهم أرزاقهم في كلّ يوم من السمك عند الصباح الباكر يكون  قوتاً ليومهم ومعاشاً يتربحون منه في السوق هكذا دأبهم ليلاً وتجارتهم نهاراً .
   لكنّ " سعيد " كان وحده  يقوم  بعمله وحراسته ، هكذا اعتاد في كلّ ليلة وهوطيلة حياته لم يصبه شيئاً من الهلع إلا في هذه الليلة التي سرقت الراحة من عينيه .
         يموت الظمأ في بلعومه ، وتتحشرج حنجرته في لحظة سماعه تلك الأصوات القادمة بأنفاس ملتهبة كأنّها أشباح خرجت من عالم سفلي والتفت حول أغصان السدرة الملتفة حول نفسها ، إنّها مثل شجرة الأرائك بكثافته أو أنّها غيمة سوداء بارقة راعدة في آن واحد ، يمرق النظر فلا يجد شيئاً ، إنّه الألم والخوف والحزن والوجع الشديد الذي يزيد الشعور اختناقاً كونه يخترق شغاف القلب ، ليسرع في دقاته بلا هوادة .
       لم يعرف " سعيد" ذلك الفتى المؤمن الصبور أنّ الشبح هو نفسه " الطنطل "  الذي يتلون بأصواته وحركاته ؛ ليرهب المارة  المسافرين والقادمين إلى منازلهم بعد منتصف الليل فيصيبهم بالجنون ، وربما يسلب منه ( شماغه ) أو(كوفيته ) أو( عقاله )  ، فيجد الناس تلك الأشياء ممزقة ومعلقة في أغصان السدر أو سعف النخيل أو عند حافات المياه  ملطخة بالطين كأنّ هناك يد إنسان ما قد عبث بها متعمداً ، وهو في أسوء حال من الحيرة والدهشة أو يصيبه جنة لا دواء لها إلا بالأوردة والحجابات القرآنية عند ( فتّاح فال ) أو عرّاف القرية .
     إذ كان البحارة والصيادون يسمعون تلك الأصوات ورمي الأحجار عليهم من بعيد ، وتأتيهم من خلف أشجار السدر ونواظم المياه والنخل الكثيف ، تتكاثف الأصوات ، فيشعرون أنّهم يرجمون بها ولا يدركون سرّها ، حكايات كثيرة في مثل هذا المسبار الملتوي بحسب التواءات الأنهر وينابيع الماء الجارية يتقلب فوقها الأسماك المزخرفة فيظن الصياد أنّه الرزق الوفير ، وقد نزل من السماء فيقذف آلته الحديدية ذات خمس شعب مسننة في عمق الماء كأنّها رمح فلا يصيب شيئاً إذ تختفي بسرعة فيشعر أنّها كالسراب للرائي في الصحراء ، يستغيث بها فتتلاعب في عمق الزورق أشباحاً ملونة في هيئة الأسماك ، فيفرح بها لكن بلا جدوى لا تصل أنامله إليها .
       بعد دقائق من منتصف الليل اقتحم أذنيه همس وليد ، ووقع نظره  فجأة عليه  وأدار وجه الشاحب على طائر خائف مبلل كان أنيساً له في تلك الليلة ، لشدة الظلام يميل إلى البياض و قدغمرته راحة جميلة وتمتم بدعاء شاكر ؛ ليغفو على سجود طويل بدموع حرى وصوت خافت وقلب خاشع إلى حين انتشار الضوء الأبيض ، بعدها نظر إلى الطائر فلم يجده ، فشعر أنّ الأنيس في منتصف الليل جاء بحكمة الكائن الأنيس ؛ ليذهب شبح  الخوف التي تسلل إلى أعماق نفسه ذلك الشبح المخيف الذي كان يسكن كلّ سدرة كانت سامقة على سدة شاطئ الفرات وعند كل ناظم قديم يسمى بـ( كسرة ماء )  في السدة الترابية المعروفة بـ( الطوفة ) وفوق كل نخلة تسمى بـ( الفحل ) .
عاد " سعيد " إلى بيته قبل طلوع الشمس بلا قوت يومه ولم يحمل معه سوى قصة الطائر الأنيس علّها تأخذ أثرها في نفوس أولاده ، فتصبح أرثاً يتناقلونه جيلاً بعد جيل في ساعة من ساعات مسامراتهم الليلية .
________________
*ورد في القصة بعض المفردات الدارجة في اللهجة العراقية :
( الفالة = آلة صيد حديدية ،  الموح = موسم الفيضان ، الطنطل : تسمية للجن الشائعة في جنوب العراق ، الشماغ  والكوفية والعقال = زي الرجل المتعارف في الجنوب ، فتّاح فال = المستخير بالفأل ، كسرة الماء = ناظم الماء ، الطوفة = سدة ترابية على شاطيء الفرات لوقاية المدينة من الفيضانات الموسمية، الفحل = ذكر النخيل الحامل لحبوب اللقاح )



الاثنين، 20 أغسطس 2012

عيد مؤجّل / قصة قصيرة


                       عيد مؤجّل* / قصة قصيرة
      أوشك شهر رمضان بحليته الروحانية وبقداسته الإلهية أن يجرّ ثوبه القشيب كما ينبغي في حساب الصائمين ؛ لأنّهم في آخر يوم منه قد شعروا بفراقه إذ تصرمت أيامه ولياليه كحبال الدلو المتهرئة بعد عناء السقي .
     ظلّ الناس – كعادتهم - في حيرة ولهفة انتظار بزوغ الهلال وهو يبدو دائما ً كزورق فضي ، فلا العين المجردة تراه بوضوح ، ولا العين المسلحة ( الدربين )* تكشف سرّه عند الغروب  .
     كانت أعناق النساء مشرئبة نحو الأفق غارقات في الأوهام وخيالات المساء ، وينتظرن مداعبات الصباح الآتي من جديد   ، وكذلك تمتمات كبار السن تتوالى نحو السماء بهتاف ونفحات قدسية يا الله ... يا الله ! ، أما الأطفال فهم في انتظار الفرحة الكبرى ، جموح ولعب وابتسامات وقهقهات تتعالى وأصوات : يا رب ، يا رب .....!!!
متى يطلع الهلال ؟ وكيف نراه بثغر شوال المبتسم ؟ كيف أقابل أصدقائي وقراباتي غداً ؟ كيف أعانق والدتي ؟ ، وكم يعطيني أبي من المال ؟ وماذا تشتري لي والدتي من الحلوى ؟ أسئلة تتراكض وأجوبة مؤجلة في طيات الغد المؤمّل .
إنّه الحاضر في كلّ ليلة والغائب قبيل ليلة ، قد امتطى صهوة الليل السوداء فجأة ؛ ليغيب عن عيونهم الناعسة ، ويخرج بغرة فرس بيضاء يبهر الأطفال بانحنائه أجلالاً لهم ، هكذا اعتادت نفوسنا الظامئة وقلوبنا الوالهة وأفكارنا الغارقة  ؛ لرؤية الهلال ذلك " الدائب السريع ".
الكلّ ينتظر إلى طلعته البهية ، لكن لم يبدُ بعدُ ذلك المشهد عند الغروب إذ اختفى خلف غيوم بيضاء راكضة تناثرت وتسابقت بسرعة تدفعها ريح هائجة .
كم مذهل ومريع هذا المساء ؟ لا يحمل تباشير فرحة العيد ، ربما يجرّنا إلى يوم آخر .
 لقد طبع في أوجه الناس الحزن ، واعتاد الصائمون في نحو ما أن يعتمدوا على الرؤية بالعين المجردة كحكم شرعي أولاً ، وثانياً على مضي ثلاثون يوماً من الشهر كان العاشقون يتنافسون في ضيافته الرحمانية ، لكنّ الناس لم يروا شيئاً قط ، ولم يبن ضوئه المعتاد فظنوا أنّ العيد في خطر فراحوا يتهامسون... ويتهاجسون ... وووو .
صاح الناس : الهلال في خطر !!! ونحن ننتظر الفرج . هل من راءٍ ينفذ بصره خلف السحاب ، فزرقاء اليمامة ما كان عليها لترمق السماء ؛ لأنّ عيونها خلقت لترى معالم الصحراء .
ما الحل ؟ إذ لا حلّ !!!، فالأخبار من الأماكن البعيدة تأتي متأخرة ولا يمكن الاعتماد إلا على رؤية شاهد يعتدّ به .
     باتت القرية الريفية النائية في صمت بلا مذياع صوتي أو مرئي ينقل لهم نبأ حلول العيد ، فأجهزة الراديو التي تعمل على البطاريات قليلة ونادرة الاستعمال، فلا اتصال سلكي كان موجوداَ ولا جهازاً محمولاً كالذي هو في وقتنا .
أغرق الناس في النوم بعد جهد وتعب في كشف ذلك المخلوق المطيع ، وأرادوا أن يعلموا عن أمر إطلالته فلم يفلحوا .
راحوا ينتظرون ملامح الهلال فجراً ، وهو يطلّ بثوب شاب حسن ، وهي مسلمة في ظهوره يقيناً ، ولكنّ آمالهم تبددت بالفشل ، وتيقنوا أنّ فرحتهم بالهلال قد سرقت من قبل سماء صارت سوداء مكتظة بالغيوم ، إذ الإمطار تساقطت بغزارة وانهمرت في كل مكان بلا انقطاع ، وغاصت الشوارع بالمياه الموحلة بالطين فلا شعاع من شمس قادم إلى بيوتهم ولا ( طارش )*** يخبرهم بحتمية العيد .
 ظلّ سكان القرية صائمين في ترقب الطريق الطيني ، علّهم يجدون بارقة أمل تطلّ عليهم من بعيد .
أقبل الظهر بأذانه كأنّه شيخ جليل عليه سمات الوقار، ولم يبادر أيّ أحد في إطراء تحيات العيد نحو الآخرين ، إذ لا عيد لهم ما لم يتحققوا من ظهوره بشهادة رجل عدل ، وشيوع رؤيته في المدن القريبة .
وفجأة قدم ( أبو علي ) ذلك المسافر الذي شدّ السفر في كلّ سنة  لزيارة أحد أقربائه في القرية الغارقة بالمطر بمناسبة حلول عيد الفطر ، وأخبرهم أنّ العيد قد تحقق في المدن الكبيرة وعند رجال الدين منذ الصباح الباكر... فرح الناس بهذا الخبر السارّ إذ ردّت المياه إلى تقاسيم وجهوهم ، وتصافحوا يغبط بعضهم الآخر.
وسارع الأطفال في تحياتهم يجوبون الطرقات باحثين عن حلوى عيدهم السعيد المفقود في صبيحته بأقدام ملطخة بالوحل ظهراً حتى المساء .
_______________
*حدثت القصة في أوائل السبيعنيات في قرية ريفية نائية من قرى جنوب العراق عندما كانت الوسائل السمعية والبصرية  غير منتشرة في ذلك الوقت .
** الدربين : مفردة تطلق على المنظار لرؤية الأشياء البعيدة بوضوح وهو منضار الجيش مثلاً أو المنضار اليدوي ذو القبضتين ، ودربين : أي الذهاب إلى مكان ما مرتين ، وهي مشتقة من كلمة درب يعني طريق أو مسار ... وقيل يلفظ ( دربيل ) وليس( دربين ) وقد حدث بها إبدال لكثرة الاستعمال .
*** يسمي العراقيون القادم من بعيد فجأة نهاراً أو ليلاً بالطارش ؛ لأنّه يأتي خلسة بلا موعد .





الثلاثاء، 14 أغسطس 2012

المجموعة القصصية - 1



 المجموعة القصصية - 1

1- " تحسُّر"
انفتح البابُ بعد أن أدار مفتاح القفل
فجأةً لاحظ النافذة مفتوحة  !
صرخ بأعلى صوته  : " قد سرقت  "
راح يفتش في ( دولا ب ) عتيق
يبحث عن شيء ثمين
لطالما أودعه  في زحمة الملابس القديمة
خيفة من يوم عسير
فلم يجده !
ذلك العقد ... أوهبته أمّه في ليلة خطوبته ،
 وقالت  : " بني لا تنس نصيبك من الدنيا "
2- ولادة
كانت الأجواءُ تصطكّ بالزحمة
القابلة وبعض النساء في الغرفة المجاورة
أخت تبكي
وأخ ينتظر 
وجارة تصلي من أجل الفرج
لحظات زغردت الأمهات الجالسات
تعالت الأصوات :
 " ولد النور من النور "
3-   " تجلي"
قامَ حاملاً سيفاً ذهبياً
هنيهةً ... نظر في وجه حسناء
فسرعان ما ارتدّ ضاحكاً مستبشراً 
فصاح :  " قتل الغضب في رمش عين نازف "
4- غيبة حكيم
تمتدّ الشمس نحو الأصيل بأشعتها المطرزة
وقلبي معلق بذلك العشّ الملصق في عمود مستطيل
إذ لم يعد طير " السنونو " إلى صغاره الوالهات
أفِلتْ الشمسُ ... وهدأتْ  الصغار !
زقزقات تتلوها زقزقات ... ثم تلاشتْ !
لكنّ  قلبي لم يهدأ !
باتَ حزيناً ينتظرُ بزوغَ الفجرِ في جوٍّ دافئ وكثيف
عند الفجرِ الصقيع ِ
انخفضتْ النجومُ وبدأتْ الوجوهُ تنكشفُ
 فوجدتُ الصغارَ صَرعى
 حينئذ لم يعد ذلك الطيرُ الودودُ
في طوافه حول العمود العتيق
ينبئني بحكمة حركاته من غرفة إلى غرفة
إذ غاب في خضم الحياة بلا وداع !!!
5 –  موت الآخر
رجلٌ كبيرٌ طاعنٌ في السّن
لم يبرح من مكانهِ طيلة ثلاثين سنة
اعتاد على مودة المقربين رغم كبر سنه
يصافح الكبير والصغير بتلطف  
ويتناول أطراف الحديث أنيساً مؤنساً
لينسى أنّه عمره بلغ التسعين
ورجلاه تضطربان في الأرض كأنّه طفل في مقتبل الزهور
لكنّه  في لحظة ما في ليلة جاءت ( بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ )*
 طار عقله حزيناَ منكسراً
( فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ )**
إذ فقد النصف الآخر في مساء اغتيل بصمته العميق
_________________ 
* ( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ) الحاقة / 6
**( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا )( الكهف / 45 )
6- يتم
أجهشتْ بالبكاء عند اقتراب المساء  ،
فاغروقت بالدموع ،
فانفجر ينبوع من ماءٍ صافٍ ،
تحوَّل إلى درٍّ شفّاف ،
عندما سمعتْ موت إحدى النساء البالغات من العمر .
قلنَ لها : لِمَ تبكين ؟
ردّت عليهُّنّ  بعيون غارقة :
انطفأ ضوء أيامي ، فأجريت الدمع كالسحاب .
ثم رفعتْ رأسَها كالقمر المتأمل الساكن ، وقالت :
 أنا لم أبك حزناً عليها ، ولم أبكي لحالي ،
إنّها سنة الحياة في اقتراب الآجال ،
 لكن بكيتُ على طفلةٍ بريئةٍ ،
 قد ايتمت بسببها ،
ربّما تحولتْ إلى نومٍ عميقٍ ،
فتذكرت يتمي واحتقاري كزهرة ذابلة انقطع عنها المياه !!!
7-   نباهة تلميذ
فطن" حيدر" لسوآل معلِّمهم الكسول ، من منكم حفظ القرآن وفهم معناه ؟
وأيقن من قصد السؤال إحراج التلاميذ في الصف ؛ لأجل التوبيخ والتجريح من دون مبرر.
لم يدرك المعلم أنّ النابهين في الصف لا يستهان بهم  مثل" حيدر" ، و" فاضل" ، و"حسن" ، و" زينب"  ... ووو
إنّ حافظتهم عميقة تختزن الشاردة والواردة والطرفة والمعلومة الرشيدة .
إذ اعتاد كلّ منهم أن يشترك في دورة صيفية متعددة المشارب
ولا يزالون يحفظون بما أدلى به المرشدون في حلقات المساجد 
وتربى كلّ واحد منهم في أحضان العلم بدرجة النصح والإرشاد .
 لقد أبطأ "حيدر" في الجواب ريثما يتهيأ الآخرون في الإجابة
وعندما سكتوا رفع يده بتواضع سائلاً المعلم :
أستاذي ... لمن هذا القول ( خيركم من حفظ القرآن وفهم معناه ) ؟
نكّس المعلم رأسه ، وقال لا أدري !!!
فتكلم "حيدر" ببلاغة رشيقة : إذا كان معلمنا لا يعلم من القائل ، فكيف يفهم الحكمة السائرة على ألسنة العامة  " من تعلم في الصغر كالذي نقش في الحجر "
8- وحش
تجلل الصوت بقوة
ليعلن في القلب أقسى  الدرجات
عندما كان " فريد " ماراً عبر دهليز مظلم
لم يشعر بناب حاد
قد مزق أكتافه بقوة كهربائية غير معتادة  من الخلف
أخذ الدم ينزف  بسرعة ،
قد فاح السوسن منه
أو ناح كالعصفور المذبوح ؟
إذ يمشي وحيداً فلا يحتاج إلى دليل
فلا شيء أفضل من وضح النهار
فالنساء تسلك طريقاً بلا خوف 
جائعات كلّ نساء العالم
يحملن طبقاً من ورد
وينظرن إلى وحش كاسر
بلا رحمة
9- دورة حياة

بعدما صعد حصان  بقرار معلن من أسد الغابة ؛
ليدور حول الشمس في أول وهلة
إذ تباهت به زغاريد الفرح  ناشدة شعاع الغد ،
كرذاذ ندي في منتصف الليل ،
ليعلن خلال الرحلة
 إنّ أصيلاً يروي كلّ أصيل
لكنّ الحصان ما لم يخلد يوماً  للراحة 
 إلا حين مماته
لم يمض ساعة  وقتئذٍ
نزل حمار خفية محتضراً
ورجع بتعازيم  الجحد  ساخطاً
مطروداً خارج حدود الغابة
يجرّ أذيال الخيبة 
أقدام تزحف مثل الشهب
عطشان يرغب بقطرات من السحب
أمّا الكرسي الثابت كالناعور  
دوّار مثل الشمس
  حول النفس
فليعش الناطور في نظام  من خرز متناسق
يسترعي كلّ حصان جاهز
ليصير مثل حمار ناشز

10- هاجس مخيف

مرعوبٌ تشقّ خطاه السواد العريض على شفة النهر
هرباً من انثيالات الأرواح العائمة في الهواء
وكل يركض  حوله بين الظلال
بجانبه  يعدو الماء والأشجار رغبة في الرحيل
الغيوم بأجراسها تنحو نحوه
وتمتد طولاً وعرضاً
 أشلاء الصبح في دروب  غير مطروقة 
غرقت بالدفء مع المجهول
ثم زمجرت أصوات تتراقص  كزجاجات  متكسرة
تتعالى مثل صفارة الإنذار
لترديد قلاع الدموع مثل  قطرات الرُذاذ
على امتداد الشاطئ
بين أنقاض الحروب
11- بصيص أمل
       غرفة دافئة ومعتمة وصندوق يحتوي على أشياء مشوشة ، وحصيرة مصنوعة من خوص النخيل ، يسفرّ عن وحشة المكان ، وضوء شاحب يتسلل من شباك صغير ، يدخل منه الهواء البارد يوشك  على قدوم الشتاء برذاذه  ، هنيهة امتلأت جوانب المكان  بفيض من ذلك الهواء الخافق كأجنحة فراشة مستبطنة أفراحاً صغيرة للتوهج ، أيقن المحبوس في ومضة الذاكرة خيطاً من الأمل في كرنفال آت ٍأنّ الفرج قريب .
12- هلال
      عند الغروب في الأفق لاح جسمٌ أبيضٌ رشيقٌ في صفيحة اللازورد الرقيقة ، فاستبشر أبناء القرية بحلول طلعته .
      وأيقن " فلاح " أنّه الهلال قد عاد بثوب الطاعة والغفران من جديد ؛ كم كان تواقاً لكي يبدأ مرحلة العشق من جديد للوصول إلى  ناموس المعشوق .
      لبس جلباب التقوى ، وشدّ حيازيم الصبر، فقام ليلته الأولى عابداً وقارئاً ، وصام نهاره بعد أن ودّع لذائذ الأكل ومختلف الأشربة الطيبة  قبيل الفجر بعشر دقائق ، لم يتكاسل من قبل ، راح يعمل نهاراً وهو صائم ؛ لأجل التكسب ولقمة الحلال ، وكان يقوم ليله وصولاً لساحة المعشوق .
     لكنّ " فلاح " بعد عشرة أيام لاحظ في جسمه خفة غريبة ونشاطاً في الحركة لا مثيل له ، حيث الملابس سرعان ما تبدو واسعة  ، إذ بدت عليه الملابس فضفاضة ، لينعم بصحة جيدة طبقاً للحديث النبوي " صوموا تصحّوا " 
      وهكذا يوماً بعد يوم وليلة بعد ليلة  راح " فلاح" يقطع أشواطاً وهو يمضي بين العمل صباحاً وقراءة القرآن عصراً وزيارة الأرحام ليلاً وحضور مجالس الوعظ والإرشاد بين فينة وأخرى في المساجد ، وهو على هذه الحال  في برنامج عبادي اعتاد عليه في كلّ سنة لا ينقطع ساعة وتعلو على قسمات وجهه  بشاشة الفرح وتغبطه راحة جسدية فريدة لا تمرّ عليه طيلة السنة إلا كمثلها في تلك الأيام  المقبلة .
     ما إن حانت ليلة القدر المباركة إذ تطوّع مع أصحابه " نجاح وهادي وفاضل "  كما اعتاد في كلّ سنة أن يحيوا تلك الليلة   عابدين ناسكين ؛ لأنّها ( خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) *، فهبّوا جميعاً ما بين راكع وساجد وقارئ للقرآن من المساء إلى حلول ساعة السحر، وقبل بزوغ الفجر بنصف ساعة أخرج " فلاح " مائدة طيبة ؛ لتكون آخر مائدة ما بين الأحبة قد جمعتهم ليلة غراء .
     ومضى" فلاح " مستبشراً في الأيام العشرة الأخيرة من الشهر ، والهلال يتناقص ليعود( كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ )** بعدما كبر وأمسى قمراً منيراً  في منتصف الشهر، وهو يعدو ليصبح هلالاً مرة أخرى .
       ودّع "حيدر" أصحابه في الليلة الأخيرة  ليلتقوا غداً في مسجد  القرية لحضور صلاة عيد الفطر مفارقاً ذلك الجسم السماوي الذي يراه في كلّ ليلة بثوب فضي ، وفجأة في صباح عيد الفطر رأى نفسه في المرآة ، وقد نحف جسمه وبان قوامه وأصبح رشيقاً كأنّه الهلال في طلعته .
______________________
*( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) القدر / 3
**( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) يس / 39




13 – شرود
      خرج من البيت  بغية الوصول إلى محل عمله ، ثم رجع مسرعاً  ، راح يفتش في أشياء الغرفة يبحث عن شيء مهم هنا وهناك  ،  قالت الزوجة :  لماذا عدت ؟ وعن أي شي تبحث ؟ ، فلم يجبها استحياء ، عادت السؤال مرة أخرى : عن أي شيء ،  ربما  أساعدك في البحث ، وقف باستقامته المعهودة  حائراً ، وقال :  النظارات !!!، النظارات !!!.... نسيت النظارات ،  والوقت داهمني !!!، تعجبت الزوجة مبتمسة !!! ، وقالت :
انظر يا حبيبي إلى المرآة لعلك تجد ضالتك ، سرعان ما أيقن أنّه كان شارد الذهن ولم يحسّ بثقل النظارات على وجهه .
                                                  14- رغبة
     على الرغم من إغراق " ساهرة " تلك الأم الرءوم في النوم  متأخراً  لشدة تعبها نهاراً ، وفي سبيل راحة  طفلها الودود  "محسن " ليلا ً ، الذي بدت أحاسيسه ومشاعره تتجه نحو الأشياء الطبيعية فيأنس بها ؛ إذ يومئ لها بلحاظ عينيه المورقتين كأنّها غدير ماء رقراق في غابة خضراء  إلا أنّها استيقظت مدهوشة  للتو بسبب بكائه المفاجئ .
اعتادت " ساهرة " في الليالي الحارة أن تصعد بولدها المدلل إلى سطح الدار عند انطفاء التيار الكهربائي  في فصل الصيف قهراً ، حيث الهواء برقته مع صفائه وسكون الليل بشفافيته  ، فلا أصوات ولا ضجيج تسمع إلا ما ندر .
 أخذت توادده حيناً ، وتهمس في أذنه حيناً ، وتحنو بيدها على صدره ، فتضمّه ، وتشمّه ، لكنّه ازداد شدة في بكاء غير اعتيادي .
لم تشعر أمّه في حينه أنّ عيونه ترنو إلى شيء ما ، ولم تنتبه أنّ يده اليسرى تؤمي إلى الأعلى ؛ لتمسك شيئاً تناله  ، فالظلمة إلى الأرض عامة  في كل جانب  ، والضياء في أطراف السماء  يبدو منتشراً بطلعة القمر المنير .
ألحّت في تحننها على " محسن " ولم تفلح في أن تهدأ من روعه في هدأة الليل البهيم ، فانتابها من الحزن الذي يصيب كلّ أمّ تسهر من أجل أولادها .
وأخذت  " ساهرة " تنظر  إلى حركة يده نحو الأعلى سرعان ما انتبهت  إليه ، وهو ينظر إلى الأعلى ، ويبكي بحسرة ولوعة  غارقة بالدموع ولهفة ظامئة للقاء .
وأغرقت في حيرة من أمر ولدها إنّه يومئ إلى هالة القمر ويريد أن يمكسه فلا تصل يده ، أخذت تفكر برهة من الزمن  ، ماذا تعمل لجلب  نور غير محسوس إلا بالرؤية ؟ .
أعيتها الحيلة ، فلم تستطع ، ثم فكرت ملياً بأن تجلب له قدح ماء ريثما يشرب منه فيبرد قلبه بعد عناء من البكاء وذرف الدموع ، ثم سكت الطفل فجأة إذ شعر بوجود القمر أمامه في قدح ماء رقراق ، فتعجبت " ساهرة " ضاحكة مستبشرة أنّ سبب بكاء " محسن " رؤيته نور القمر الوضاء في كبد السماء !!! .