رغبة / قصة قصيرة
على الرغم من إغراق "
ساهرة " تلك الأم الرءوم في النوم متأخراً لشدة تعبها نهاراً ، وفي سبيل راحة طفلها الودود "محسن " ليلا ً ، الذي بدت أحاسيسه
ومشاعره تتجه نحو الأشياء الطبيعية فيأنس بها ؛ إذ يومئ لها بلحاظ عينيه المورقتين
كأنّها غدير ماء رقراق في غابة خضراء إلا أنّها
استيقظت مدهوشة للتو بسبب بكائه المفاجئ .
اعتادت " ساهرة
" في الليالي الحارة أن تصعد بولدها المدلل إلى سطح الدار عند انطفاء التيار
الكهربائي في فصل الصيف قهراً ، حيث
الهواء برقته مع صفائه وسكون الليل بشفافيته
، فلا أصوات ولا ضجيج تسمع إلا ما ندر .
أخذت توادده حيناً ، وتهمس في أذنه حيناً ، وتحنو
بيدها على صدره ، فتضمّه ، وتشمّه ، لكنّه ازداد شدة في بكاء غير اعتيادي .
لم تشعر أمّه في حينه أنّ
عيونه ترنو إلى شيء ما ، ولم تنتبه أنّ يده اليسرى تؤمي إلى الأعلى ؛ لتمسك شيئاً
تناله ، فالظلمة إلى الأرض عامة في كل جانب
، والضياء في أطراف السماء يبدو
منتشراً بطلعة القمر المنير .
ألحّت في تحننها على "
محسن " ولم تفلح في أن تهدأ من روعه في هدأة الليل البهيم ، فانتابها من
الحزن الذي يصيب كلّ أمّ تسهر من أجل أولادها .
وأخذت " ساهرة " تنظر إلى حركة يده نحو الأعلى سرعان ما انتبهت إليه ، وهو ينظر إلى الأعلى ، ويبكي بحسرة
ولوعة غارقة بالدموع ولهفة ظامئة للقاء .
وأغرقت في حيرة من أمر
ولدها إنّه يومئ إلى هالة القمر ويريد أن يمكسه فلا تصل يده ، أخذت تفكر برهة من
الزمن ، ماذا تعمل لجلب نور غير محسوس إلا بالرؤية ؟ .
أعيتها الحيلة ، فلم
تستطع ، ثم فكرت ملياً بأن تجلب له قدح ماء ريثما يشرب منه فيبرد قلبه بعد عناء من
البكاء وذرف الدموع ، ثم سكت الطفل فجأة إذ شعر بوجود القمر أمامه في قدح ماء
رقراق ، فتعجبت " ساهرة " ضاحكة مستبشرة أنّ سبب بكاء " محسن
" رؤيته نور القمر الوضاء في كبد السماء !!! .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق