الثلاثاء، 14 أغسطس 2012

المجموعة القصصية - 1



 المجموعة القصصية - 1

1- " تحسُّر"
انفتح البابُ بعد أن أدار مفتاح القفل
فجأةً لاحظ النافذة مفتوحة  !
صرخ بأعلى صوته  : " قد سرقت  "
راح يفتش في ( دولا ب ) عتيق
يبحث عن شيء ثمين
لطالما أودعه  في زحمة الملابس القديمة
خيفة من يوم عسير
فلم يجده !
ذلك العقد ... أوهبته أمّه في ليلة خطوبته ،
 وقالت  : " بني لا تنس نصيبك من الدنيا "
2- ولادة
كانت الأجواءُ تصطكّ بالزحمة
القابلة وبعض النساء في الغرفة المجاورة
أخت تبكي
وأخ ينتظر 
وجارة تصلي من أجل الفرج
لحظات زغردت الأمهات الجالسات
تعالت الأصوات :
 " ولد النور من النور "
3-   " تجلي"
قامَ حاملاً سيفاً ذهبياً
هنيهةً ... نظر في وجه حسناء
فسرعان ما ارتدّ ضاحكاً مستبشراً 
فصاح :  " قتل الغضب في رمش عين نازف "
4- غيبة حكيم
تمتدّ الشمس نحو الأصيل بأشعتها المطرزة
وقلبي معلق بذلك العشّ الملصق في عمود مستطيل
إذ لم يعد طير " السنونو " إلى صغاره الوالهات
أفِلتْ الشمسُ ... وهدأتْ  الصغار !
زقزقات تتلوها زقزقات ... ثم تلاشتْ !
لكنّ  قلبي لم يهدأ !
باتَ حزيناً ينتظرُ بزوغَ الفجرِ في جوٍّ دافئ وكثيف
عند الفجرِ الصقيع ِ
انخفضتْ النجومُ وبدأتْ الوجوهُ تنكشفُ
 فوجدتُ الصغارَ صَرعى
 حينئذ لم يعد ذلك الطيرُ الودودُ
في طوافه حول العمود العتيق
ينبئني بحكمة حركاته من غرفة إلى غرفة
إذ غاب في خضم الحياة بلا وداع !!!
5 –  موت الآخر
رجلٌ كبيرٌ طاعنٌ في السّن
لم يبرح من مكانهِ طيلة ثلاثين سنة
اعتاد على مودة المقربين رغم كبر سنه
يصافح الكبير والصغير بتلطف  
ويتناول أطراف الحديث أنيساً مؤنساً
لينسى أنّه عمره بلغ التسعين
ورجلاه تضطربان في الأرض كأنّه طفل في مقتبل الزهور
لكنّه  في لحظة ما في ليلة جاءت ( بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ )*
 طار عقله حزيناَ منكسراً
( فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ )**
إذ فقد النصف الآخر في مساء اغتيل بصمته العميق
_________________ 
* ( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ) الحاقة / 6
**( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا )( الكهف / 45 )
6- يتم
أجهشتْ بالبكاء عند اقتراب المساء  ،
فاغروقت بالدموع ،
فانفجر ينبوع من ماءٍ صافٍ ،
تحوَّل إلى درٍّ شفّاف ،
عندما سمعتْ موت إحدى النساء البالغات من العمر .
قلنَ لها : لِمَ تبكين ؟
ردّت عليهُّنّ  بعيون غارقة :
انطفأ ضوء أيامي ، فأجريت الدمع كالسحاب .
ثم رفعتْ رأسَها كالقمر المتأمل الساكن ، وقالت :
 أنا لم أبك حزناً عليها ، ولم أبكي لحالي ،
إنّها سنة الحياة في اقتراب الآجال ،
 لكن بكيتُ على طفلةٍ بريئةٍ ،
 قد ايتمت بسببها ،
ربّما تحولتْ إلى نومٍ عميقٍ ،
فتذكرت يتمي واحتقاري كزهرة ذابلة انقطع عنها المياه !!!
7-   نباهة تلميذ
فطن" حيدر" لسوآل معلِّمهم الكسول ، من منكم حفظ القرآن وفهم معناه ؟
وأيقن من قصد السؤال إحراج التلاميذ في الصف ؛ لأجل التوبيخ والتجريح من دون مبرر.
لم يدرك المعلم أنّ النابهين في الصف لا يستهان بهم  مثل" حيدر" ، و" فاضل" ، و"حسن" ، و" زينب"  ... ووو
إنّ حافظتهم عميقة تختزن الشاردة والواردة والطرفة والمعلومة الرشيدة .
إذ اعتاد كلّ منهم أن يشترك في دورة صيفية متعددة المشارب
ولا يزالون يحفظون بما أدلى به المرشدون في حلقات المساجد 
وتربى كلّ واحد منهم في أحضان العلم بدرجة النصح والإرشاد .
 لقد أبطأ "حيدر" في الجواب ريثما يتهيأ الآخرون في الإجابة
وعندما سكتوا رفع يده بتواضع سائلاً المعلم :
أستاذي ... لمن هذا القول ( خيركم من حفظ القرآن وفهم معناه ) ؟
نكّس المعلم رأسه ، وقال لا أدري !!!
فتكلم "حيدر" ببلاغة رشيقة : إذا كان معلمنا لا يعلم من القائل ، فكيف يفهم الحكمة السائرة على ألسنة العامة  " من تعلم في الصغر كالذي نقش في الحجر "
8- وحش
تجلل الصوت بقوة
ليعلن في القلب أقسى  الدرجات
عندما كان " فريد " ماراً عبر دهليز مظلم
لم يشعر بناب حاد
قد مزق أكتافه بقوة كهربائية غير معتادة  من الخلف
أخذ الدم ينزف  بسرعة ،
قد فاح السوسن منه
أو ناح كالعصفور المذبوح ؟
إذ يمشي وحيداً فلا يحتاج إلى دليل
فلا شيء أفضل من وضح النهار
فالنساء تسلك طريقاً بلا خوف 
جائعات كلّ نساء العالم
يحملن طبقاً من ورد
وينظرن إلى وحش كاسر
بلا رحمة
9- دورة حياة

بعدما صعد حصان  بقرار معلن من أسد الغابة ؛
ليدور حول الشمس في أول وهلة
إذ تباهت به زغاريد الفرح  ناشدة شعاع الغد ،
كرذاذ ندي في منتصف الليل ،
ليعلن خلال الرحلة
 إنّ أصيلاً يروي كلّ أصيل
لكنّ الحصان ما لم يخلد يوماً  للراحة 
 إلا حين مماته
لم يمض ساعة  وقتئذٍ
نزل حمار خفية محتضراً
ورجع بتعازيم  الجحد  ساخطاً
مطروداً خارج حدود الغابة
يجرّ أذيال الخيبة 
أقدام تزحف مثل الشهب
عطشان يرغب بقطرات من السحب
أمّا الكرسي الثابت كالناعور  
دوّار مثل الشمس
  حول النفس
فليعش الناطور في نظام  من خرز متناسق
يسترعي كلّ حصان جاهز
ليصير مثل حمار ناشز

10- هاجس مخيف

مرعوبٌ تشقّ خطاه السواد العريض على شفة النهر
هرباً من انثيالات الأرواح العائمة في الهواء
وكل يركض  حوله بين الظلال
بجانبه  يعدو الماء والأشجار رغبة في الرحيل
الغيوم بأجراسها تنحو نحوه
وتمتد طولاً وعرضاً
 أشلاء الصبح في دروب  غير مطروقة 
غرقت بالدفء مع المجهول
ثم زمجرت أصوات تتراقص  كزجاجات  متكسرة
تتعالى مثل صفارة الإنذار
لترديد قلاع الدموع مثل  قطرات الرُذاذ
على امتداد الشاطئ
بين أنقاض الحروب
11- بصيص أمل
       غرفة دافئة ومعتمة وصندوق يحتوي على أشياء مشوشة ، وحصيرة مصنوعة من خوص النخيل ، يسفرّ عن وحشة المكان ، وضوء شاحب يتسلل من شباك صغير ، يدخل منه الهواء البارد يوشك  على قدوم الشتاء برذاذه  ، هنيهة امتلأت جوانب المكان  بفيض من ذلك الهواء الخافق كأجنحة فراشة مستبطنة أفراحاً صغيرة للتوهج ، أيقن المحبوس في ومضة الذاكرة خيطاً من الأمل في كرنفال آت ٍأنّ الفرج قريب .
12- هلال
      عند الغروب في الأفق لاح جسمٌ أبيضٌ رشيقٌ في صفيحة اللازورد الرقيقة ، فاستبشر أبناء القرية بحلول طلعته .
      وأيقن " فلاح " أنّه الهلال قد عاد بثوب الطاعة والغفران من جديد ؛ كم كان تواقاً لكي يبدأ مرحلة العشق من جديد للوصول إلى  ناموس المعشوق .
      لبس جلباب التقوى ، وشدّ حيازيم الصبر، فقام ليلته الأولى عابداً وقارئاً ، وصام نهاره بعد أن ودّع لذائذ الأكل ومختلف الأشربة الطيبة  قبيل الفجر بعشر دقائق ، لم يتكاسل من قبل ، راح يعمل نهاراً وهو صائم ؛ لأجل التكسب ولقمة الحلال ، وكان يقوم ليله وصولاً لساحة المعشوق .
     لكنّ " فلاح " بعد عشرة أيام لاحظ في جسمه خفة غريبة ونشاطاً في الحركة لا مثيل له ، حيث الملابس سرعان ما تبدو واسعة  ، إذ بدت عليه الملابس فضفاضة ، لينعم بصحة جيدة طبقاً للحديث النبوي " صوموا تصحّوا " 
      وهكذا يوماً بعد يوم وليلة بعد ليلة  راح " فلاح" يقطع أشواطاً وهو يمضي بين العمل صباحاً وقراءة القرآن عصراً وزيارة الأرحام ليلاً وحضور مجالس الوعظ والإرشاد بين فينة وأخرى في المساجد ، وهو على هذه الحال  في برنامج عبادي اعتاد عليه في كلّ سنة لا ينقطع ساعة وتعلو على قسمات وجهه  بشاشة الفرح وتغبطه راحة جسدية فريدة لا تمرّ عليه طيلة السنة إلا كمثلها في تلك الأيام  المقبلة .
     ما إن حانت ليلة القدر المباركة إذ تطوّع مع أصحابه " نجاح وهادي وفاضل "  كما اعتاد في كلّ سنة أن يحيوا تلك الليلة   عابدين ناسكين ؛ لأنّها ( خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) *، فهبّوا جميعاً ما بين راكع وساجد وقارئ للقرآن من المساء إلى حلول ساعة السحر، وقبل بزوغ الفجر بنصف ساعة أخرج " فلاح " مائدة طيبة ؛ لتكون آخر مائدة ما بين الأحبة قد جمعتهم ليلة غراء .
     ومضى" فلاح " مستبشراً في الأيام العشرة الأخيرة من الشهر ، والهلال يتناقص ليعود( كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ )** بعدما كبر وأمسى قمراً منيراً  في منتصف الشهر، وهو يعدو ليصبح هلالاً مرة أخرى .
       ودّع "حيدر" أصحابه في الليلة الأخيرة  ليلتقوا غداً في مسجد  القرية لحضور صلاة عيد الفطر مفارقاً ذلك الجسم السماوي الذي يراه في كلّ ليلة بثوب فضي ، وفجأة في صباح عيد الفطر رأى نفسه في المرآة ، وقد نحف جسمه وبان قوامه وأصبح رشيقاً كأنّه الهلال في طلعته .
______________________
*( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) القدر / 3
**( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) يس / 39




13 – شرود
      خرج من البيت  بغية الوصول إلى محل عمله ، ثم رجع مسرعاً  ، راح يفتش في أشياء الغرفة يبحث عن شيء مهم هنا وهناك  ،  قالت الزوجة :  لماذا عدت ؟ وعن أي شي تبحث ؟ ، فلم يجبها استحياء ، عادت السؤال مرة أخرى : عن أي شيء ،  ربما  أساعدك في البحث ، وقف باستقامته المعهودة  حائراً ، وقال :  النظارات !!!، النظارات !!!.... نسيت النظارات ،  والوقت داهمني !!!، تعجبت الزوجة مبتمسة !!! ، وقالت :
انظر يا حبيبي إلى المرآة لعلك تجد ضالتك ، سرعان ما أيقن أنّه كان شارد الذهن ولم يحسّ بثقل النظارات على وجهه .
                                                  14- رغبة
     على الرغم من إغراق " ساهرة " تلك الأم الرءوم في النوم  متأخراً  لشدة تعبها نهاراً ، وفي سبيل راحة  طفلها الودود  "محسن " ليلا ً ، الذي بدت أحاسيسه ومشاعره تتجه نحو الأشياء الطبيعية فيأنس بها ؛ إذ يومئ لها بلحاظ عينيه المورقتين كأنّها غدير ماء رقراق في غابة خضراء  إلا أنّها استيقظت مدهوشة  للتو بسبب بكائه المفاجئ .
اعتادت " ساهرة " في الليالي الحارة أن تصعد بولدها المدلل إلى سطح الدار عند انطفاء التيار الكهربائي  في فصل الصيف قهراً ، حيث الهواء برقته مع صفائه وسكون الليل بشفافيته  ، فلا أصوات ولا ضجيج تسمع إلا ما ندر .
 أخذت توادده حيناً ، وتهمس في أذنه حيناً ، وتحنو بيدها على صدره ، فتضمّه ، وتشمّه ، لكنّه ازداد شدة في بكاء غير اعتيادي .
لم تشعر أمّه في حينه أنّ عيونه ترنو إلى شيء ما ، ولم تنتبه أنّ يده اليسرى تؤمي إلى الأعلى ؛ لتمسك شيئاً تناله  ، فالظلمة إلى الأرض عامة  في كل جانب  ، والضياء في أطراف السماء  يبدو منتشراً بطلعة القمر المنير .
ألحّت في تحننها على " محسن " ولم تفلح في أن تهدأ من روعه في هدأة الليل البهيم ، فانتابها من الحزن الذي يصيب كلّ أمّ تسهر من أجل أولادها .
وأخذت  " ساهرة " تنظر  إلى حركة يده نحو الأعلى سرعان ما انتبهت  إليه ، وهو ينظر إلى الأعلى ، ويبكي بحسرة ولوعة  غارقة بالدموع ولهفة ظامئة للقاء .
وأغرقت في حيرة من أمر ولدها إنّه يومئ إلى هالة القمر ويريد أن يمكسه فلا تصل يده ، أخذت تفكر برهة من الزمن  ، ماذا تعمل لجلب  نور غير محسوس إلا بالرؤية ؟ .
أعيتها الحيلة ، فلم تستطع ، ثم فكرت ملياً بأن تجلب له قدح ماء ريثما يشرب منه فيبرد قلبه بعد عناء من البكاء وذرف الدموع ، ثم سكت الطفل فجأة إذ شعر بوجود القمر أمامه في قدح ماء رقراق ، فتعجبت " ساهرة " ضاحكة مستبشرة أنّ سبب بكاء " محسن " رؤيته نور القمر الوضاء في كبد السماء !!! .






 








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق